۲۲ مرداد ۱۳۸۶ - ۱۳:۰۵
کد خبر: ۲۸۴۷۷

الستري: لشبابنا مطلق الحرية في أن يرفع مطالباته العمالية

الستري: لشبابنا مطلق الحرية في أن يرفع مطالباته العمالية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً متوالياً متواترا، لا ينتهي أبدا، ولا يحصي له الخلائق عددا. الحمد لله كما حمد نفسه، وكما هو أهله. والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، سيدنا ونبينا وقدوتنا وأسوتنا أشرف الأنبياء والمرسلين الذي بُعث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد بن عبد الله (ص)، وعلى أهل بيته الغرّ الميامين (ع) وصحبه المنتجبين.

قوله تعالى ((وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)) (الفرقان، 2)، ومثل هذه الآية متكرر في كتاب الله العزيز في قوله –عزّ من قائل- مثلا ((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)) (القمر، 49)، وهناك مصطلح تبلور في ثقافتنا الإسلامية منطلق من هذا المفهوم وهو مصطلح ليلة القدر، والتي فيها تقدير عظيم للأعمال.

وعندنا ما يرادف هذا المفهوم من مصطلحات ومفاهيم وكلمات أخرى كالوزن والميزان، وكل هذه الكلمات والمفاهيم والمصطلحات في يومنا هذا تبرز بقوة، والشباب الدارسون يعرفون ذلك بشكل واضح وجليّ، حيث تتكرر هذه المفاهيم المهمة في جميع الدراسات التي يقوم بها الباحثون، وأخذ العصر الحديث يهتمّ بها بشكل ملحوظ ويجعلها مبادئ لأدائه وأداء مؤسساته من أجل تحقيق قدرة تنافسية أمام دول العالم التي تسعى نحو التقدم ونحو إرضاء المتلقي والمستهلك مواطناً كان أم دولة أخرى، من التأثير عليهم واجتذابهم.

وضمن هذا السياق برزت مفاهيم كمعايير الجودة والجودة الشاملة، حيث الاهتمام بالأداء على مستوى الأفراد القائمين على الإدارة أو على مستوى الأفراد خارج الإطار الإداري، وعمل شراكة حقيقية في القرار، وتحقيق عمل جماعي تشترك فيه كل الجهود، من أجل تحقيق إنتاجية وفاعلية مؤثرة ترضي الشعوب والأنظمة وتغزو الأسواق في المجالات المختلفة.

ونتيجة هذا الاهتمام شهدنا مفاهيم تصبّ في هذا المجال، منها السعي نحو عمل تكتلات إقليمية وغير إقليمية، وكل ذلك من أجل تحقيق استثمار أكبر قدر من هذا المفهوم المهم جداً للجميع، حتى جاء أحد الفلاسفة الأمريكيين وهو هنتجتون وتوسّع أكثر، عندما طرح كتابه "صراع الحضارات"، وذكر أن المستقبل سيشهد تنافساً بين جماعات كبيرة جداً تقوم على أساس المبادئ الأكبر التي تشكل حضارات، وسيدور الصراع بين هذه الحضارات، وليس بين دول وأخرى، أو قوميات وأخرى، بل إن بعض هذه القوميات ستتحد تحت ظل حضارات كبيرة معدودة كالحضارة الإسلامية أو الحضارة المسيحية أو غيرهما، بحيث سينقسم العالم إلى أجزاء قليلة وكبيرة متصارعة. وبغض النظر عن رفضنا للترويج لنفسية الصراع التي تحولت إلى سمة من سمات الثقافة والسياسة الأمريكية والغربية، فالمقصود هو السعي المستمر لزيادة القدرات وتنظيم وتقوية الأداء.

علينا أن نسعى نحو تحسين الأداء من خلال اعتماد معايير دقيقة أكّد عليها الإسلام، وبالإمكان أن نشير إلى بعضها مما يتعلق بهذا الجانب، والذي يعكس اهتماماً إسلامياً بهذا المفهوم المهم..

- ((إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)) (القصص،26)
القوة والمتانة في اليد العاملة وفي المنتج، وكذلك الأمانة والإخلاص واحترام العمل، وكلها من معايير الجودة التي طرحها الإسلام وأكد عليها.

- إن الله كتب الإحسان في كل شيء حيث حثّ الإسلام على تحسين القول والفعل والعلاقات وغير ذلك في كل المجالات الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

- إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقـنه وهذا عصر التقنية والتكنولوجيا، وزيادة المعرفة في هذا المجال يعدّ تقدماً وانجازاً في هذا العصر، حيث يجب علينا التركيز أكثر على الجانب التقني وعلى التشطيبات النهائية الدقيقة في المنتج أو ما يعرف بالـFinishing Phase، والتي عادة ما نعاني من قصور فيها.

ولابد لنا من التركيز على جوانب التدريب والتأهيل، وعلى برامج المهارات الحرفية والفنية، والانخراط أكثر في هذه الجوانب. وأن نسعى لتوظيف هذه التقنيات توظيفاً إيجابياً يساعد في الوصول لتحسين الإنجاز والإثمار.

- ((وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)) (العصر، 1-2)
حيث حث الإسلام –كذلك- على احترام الوقت، وبعض الشعوب الأخرى أحرزت تقدماً ملحوظاً عندما احترمت الوقت، وتمسكت بهذا المفهوم، وهو أساس مهم من أساسات النجاح والإنجاز، والتقصير فيه معناه الخسارة والإخفاق، كما تذكر السورة القرآنية الكريمة. ولأهمية الوقت وقداسته، يقسم الله –جلّ وعلا- به.

- ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)) (الزلزلة، 7-8)
وهنا يؤكد الإسلام كذلك بهذه الدقة المتناهية على ضرورة الالتزام بالمقاييس والمعايير، والاهتمام بهذه المسائل التي تقع ضمن معايير الجودة الشاملة.

- ((وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)) (آل عمران، 159)، ((وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)) (الشورى، 38)
وهنا تأكيد إسلامي على أهمية الاشتراك في القرار بين الأفراد والجماعات، بين النظام والشعوب، ولقد أصبح هذا المفهوم آلية عمل تعمل بها العديد من الأمم وتحقق إنجازات متعددة في عدة ميادين، وأصبح مفهومي الشورى والتشاور حكمة محفوظة لدى أبناء الأمة يتكرر ذكرها في حراكهم السياسي والاجتماعي على الخصوص.

- أعطِ الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه
يحثّ الإسلام هنا على الدقة في التعامل مع العمال، واحترام حقوق العمال، حيث يجب علينا تطوير طرق التعاطي مع الشأن العمالي، وتحريك هذه المفاهيم على الواقع بشكل جديّ، وعدم التهاون فيه.

كما أن على شبابنا العامل أن يبدي اهتماماً أكبر بواجباته تجاه جهة عمله، وأن يواصل العمل من أجل تطوير قدراته ومؤسسته وبالتالي مجتمعه ووطنه وأمته، ويتأتى ذلك من خلال الاهتمام بزرع حالة أعمق من الاحترام الانتماء للجهة التي يعمل فيها.

لشبابنا مطلق الحرية في أن يرفع مطالباته العمالية، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب التزاماتهم تجاه جهة العمل، ففي ذلك ظلم للنفس والأجيال المقبلة، بحيث أرسخ فهماً خاطئاً لدى أرباب العمل أن المواطن لا يبدي احتراما تجاه عمله.

يجب على شبابنا أن يسعى لإشاعة حالة الولاء للمؤسسات والمصانع والهيئات، وبالتالي للوطن، والأمة التي ينتمي إليها، ويبدأ ذلك من خلال حتى بعض السلوكيات البسيطة، التي يجب على الشباب أن يهتموا بالتعاطي الإيجابي فيها، رغم ما يعانونه من تمييز ومزاحمة من قبل الأجانب، فهذا الموضوع نرفضه ولكن ليس معناه التحلل من الالتزامات تجاه رب العمل ورجال الإدارة في المؤسسة.

فجانب السرية في المعلومات - على سبيل المثال - المرتبطة بجهة العمل مهم جداً وحساس في مجال خلق ثقة متبادلة بين العامل وجهة العمل، حيث من الواجب على العامل أن يبتعد عن تسريب المعلومات الخاصة التي تضر بالشركة أو المؤسسة أو الهيئة التي يعمل فيها إلا بما يخدم مساعي مكافحة الفساد من قبل الجهات المسئولة والمعنية بهذا الأمر، لأن ذلك قد يجر لخلق نظرة سلبية تجاه المواطن ويؤدي لتفضيل الأجنبي على البحريني، وللأسف الشديد، أن هناك اعتقاد قد يكون غير دقيق لدى البعض من أرباب العمل أن الأجنبي أكثر حرصاً على مصلحة جهة العمل من المواطن البحريني. وهنا على المواطن الالتفات لمثل هذه الأمور المهمة بالنسبة للجميع.

أخيرا أنتقل لجانب مدى التزامات الحكومة بهذه المعايير، لعلكم تابعتم ما طرح في الصحف المحلية حول "مؤشر الحكم الصالح" الذي أطلقه مؤخراً البنك الدولي International Bank، والذي أشار إلى أن هناك تراجعا في مؤشر البحرين –بين سنة 2002 و2006، مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي في عدة مجالات منها مكافحة الفساد، وفاعلية الحكومة في تلبية احتياجات مواطنيها، وفي مجال القانون وعدالته وعدم التمييز بين المواطنين، وجودة الإجراءات، والتمثيل الديمقراطي، والاستقرار السياسي، وكل هذا يدعونا لمطالبة النظام السياسي أن يراجع حساباته بشكل جاد في مجال الالتزام بمعايير الحكم العادل والصالح، وخلق بيئة صحية ومسئولة لمشاركة الأطر المجتمعية في الوصول للحلول الناجعة لكل هذه المشاكل المتفاقمة، وعلى النظام السياسي أن يبتعد عن "الشعاراتية" والاقتراب أكثر من الواقع لتلمس همومه وقضاياه.

نحن نرى أن التمييز والفساد يستشري في الكثير من الهيئات، وحتى في المجال البيئي –فللأسف- الأرض منهكة ومنتهكة بسبب الإهمال الإداري اللامبرّر، والتقصير المخزي في مجال الحد من التلوث وانتشار المخلفات بشكل مقلق وكل هذه الظواهر تقلل من مصداقية الالتزام بمعايير الجودة وشروط التنمية الشاملة المستدامة.

غفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين..

ارسال نظرات