۰۳ اسفند ۱۳۸۷ - ۱۵:۲۹
کد خبر: ۵۸۸۰۳

التشكيك في غضب فاطمة (ع) وتأخر بيعة علي (ع)... صراع الحقائق والأهواء

سماحة الشيخ عبدالله دشتي إمام مسجد الإمام المهدي -عج- الكويت
التشكيك في غضب فاطمة (ع) وتأخر بيعة علي (ع)...
صراع الحقائق والأهواء

لا يزال مسلسل تجاهل الحقائق مستمرا عند من ديدنهم البحث عن مبررات لبعض الممارسات تاريخية وتجاهل الحق والحقائق ، فيلوون عنق التاريخ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، ولو كان ذلك على حساب الموازين العلمية والثوابت التاريخية ، لكن المشكلة أكبر فيمن يسعى وبكل وقاحة لطمس الحقائق ونفي تلك الممارسات ، وتلبس بعض تلك المساعي ثوب العلمية ، لكن العلم منها براء .

ولا تزال أيضا ، فاطمة سيدة نساء العالمين أو نساء أهل الجنة كما نص على ذلك أبوها ( ص ) تغض مضجع الكثيرين بموقفها ، والذي يمثل صخرة تنكسر على صلادتها آمال وأحلام يسعى لتحقيقها هؤلاء .

وفي خضم تلك المطارحات ، وقعت بيدي صفحات من مجلة الشريعة الصادرة عن جمعية الشريعة العدد السابع تتضمن نفيا لغضب سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام على أبي بكر ، مع أن الخبر من ثوابت التاريخ ومن مرويات البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وكذلك تنفى المقالة تأخر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى ستة أشهر من حادثة السقيفة مع نص البخاري ومسلم في صحيحيهما على ذلك .

ويلاحظ المتابع لكثير من القضايا الخلافية بأن البعض – من الذين لا يبحثون عن الحقائق بل يبررون الوقائع – تغلبهم أهواؤهم وتختل عندهم الموازين العلمية ويحل محلها التعصب ، فيردون الثوابت لأنها لا تتفق مع مسلماتهم التي ألفوا عليها الآباء ، ويقبلون بالضعيف نتيجة العلل النفسية التي تكمن في ذاتهم والمقدسات الوهمية التي اصطنعوها ، ولا علاقة لكل ذلك بالأدلة والبراهين .

ولعل ما أورده ابن كثير يؤكد لنا ذلك ، حيث يروي قول ابن خزيمة بأن الحديث - الذي يروي بيعة علي عليه السلام لأبي بكر في أول يوم بعد السقيفة - يسوى بدرة ، وذلك على الرغم من علته الواضحة ، والبدرة تعني فيما تعنيه عشرة آلاف درهم ، فهو يعبر عن الرواية الموافقة لهواه بأنها كنز .

وهذا يشير إلى أن نفوس هؤلاء تتوق إلى إيجاد حلول للخلل الواقع في التاريخ حسب مبانيهم ولا يشككون في بعض المسلمات التي تلقوها من الآباء ، ومن هنا كانت ولا تزال الأهواء هي التي تقود الكثير من الباحثين ولا عزاء للبحث عن الحقائق ، وإلا .. فإن كل رواية تثبت عند العلماء يجب أن تسوى بدرة في ذاتها لأنها لبنة مهمة في بناء الحقيقة ، إلا إذا كان الباحث يبحث عن شيء آخر غير الحقيقة .

أولا : عرض محاولات التلاعب بالحقائق

1) إنكار غضب فاطمة ( ع )

وتردد الكاتب في رد ذلك بين دعوى الإدراج وتوقيت ذلك دون دوامه إلى آخر عمرها .

و الإدراج يعني أن يدخل الراوي كلامه ضمن الخبر فلا يكون الكلام هو قول رسول الله ( ص ) أو قول الصحابي بل كلام الراوي توهم البعض أنه من كلام الرسول أو الصحابي ، وهنا يقصد أن الغضب والتأخر هو من كلام الزهري وليس من كلام عائشة .

والتوقيت يعني أنها غضبت عليه ثم رجعت ورضيت عنه ولم يستمر الأمر إلى آخر حياتها .

قال الكاتب :

" ظهر من سرد طرق هذا الحديث اختلاف كبير في متنه بين تلاميذ الزهري كما مر والذي ظهر لي أمور :

1- أن غضب فاطمة وهجرها إما أن يكون مدرجا ( وهو الظاهر لي ) وإما أن يكون مؤقتا كما في رواية البيهقي ... عن الشعبي قال : لما مرضت فاطمة ( رض ) أتاها أبو بكر ... فاستأذن عليها ... فدخل عليها يترضاها ... ثم ترضها حتى رضيت .

قال البيهقي : هذا مرسل حسن بإسناد صحيح " .

2) إنكار تأخر بيعة علي ( ع )

وتردد هنا الكاتب بين الإدراج المدعى من قبل البيهقي - وسنورد عبارة البيهقي ونبحثها - وبين معارضة ما هو أحسن سندا وهي رواية أبي سعيد الخدري التي يأتي ذكرها .

قال الكاتب :

" الذي ظهر لي أن عليا بايع ثم لازم فاطمة في مرضها حتى ظن البعض أنه لم يبايع ... ، ويدل على أنه بايع أمور منها :

1- كون علي لم يبايع من إدراج تلاميذ الزهري بعد ما أضافه أثناء تحديث وليس من كلام عائشة ... ، ...

2- على فرض أن عدم مبايعة علي من قول عائشة وليس من كلام الزهري ، فإن حديث أبي سعيد مقدم لأن أبا سعيد حدث بما علم وعائشة حدثت بما علمت ومن علم حجة على من لم يعلم ...

قال الحافظ ابن كثير : وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحافظ الاسفراييني حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وابن إبراهيم بن أبي طالب قالا حدثنا ميدار بن يسار وحدثنا أبو هشام المخزومي حدثنا وهيب حدثنا داود بن أبي هند حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قبض رسول الله ( ص ) واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قال فقام خطيب الأنصار فقال أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين ونحن كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره قال فقام عمر بن الخطاب فقال صدق قائلكم أما لو قلتم على [ غير] هذا لم نبايعكم وأخذ بيد أبي بكر وقال : هذا صاحبكم فبايعوه فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار قال فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير قال فدعا بالزبير فجاء فقال قلت ابن عمة رسول الله ( ص ) وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال لا تثريب يا خليفة رسول الله ( ص ) فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء فقال قلت ابن عم رسول الله ( ص ) وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين قال لا تثريب يا خليفة رسول الله ( ص ) فبايعه هذا أو معناه .

وقال أبوعلي الحافظ سمعت محمد بن اسحاق بن خزيمة يقول جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه وهذا حديث يسوى بدنة بل يسوى بدرة .

وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان بن سلم عن وهيب به ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الانصار بدل عمر وفيه أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا فسأل عنه فقام ناس من الانصار فأتوا به فذكر نحو ما تقدم ثم ذكر قصة الزبير بعد على فالله أعلم وقد رواه على بن عاصم عن الجريري عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري فذكر نحو ما تقدم .

وهذا اسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة وهذا حق فان علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه " ، البداية والنهاية ج5 ص 248 - 249 .

راجع مجلة الشريعة ، العدد السابع ص 120- 125 .

ثانيا : كشف الحقائق وبيان تدليس الكاتب

وأما الإدراج المدعى في غضب فاطمة ( ع ) فأمر لم يقل به أحد من العلماء ، بل انفرد به هذا الكاتب الغارق في محاولات تسجيل السبق والإبداع ، ولكنه لم ينجح إلا في تأسيس بدع لا سابقة لها في الدين .

وما قيل لا يتعلق بغضب فاطمة فهو من مسلمات موصولات الصحاح ، وإنما يتعلق بالنقطة الثانية وهو تأخر بيعة علي ( ع ) إلى ستة أشهر .

وأصل دعوى الإدراج في تأخر البيعة – أي خصوص الأمر الثاني - نبع من قول البيهقي في سننه ، فبعد أن روى عن عبدالله بن يحيى عن الصفار عن ابن منصور ثنا عبدالرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ( رض ) قولها : " ... فغضبت فاطمة ( رض ) وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت فدفنها علي ( رض ) ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر ( رض ) ، قالت : عائشة ( رض ) : فكان لعلي ( رض ) من الناس وجه حياة فاطمة ( رض ) فلما توفيت فاطمة ( رض ) انصرف وجوه الناس عنه عند ذلك

قال معمر قلت للزهري : كم مكثت فاطمة بعد النبي ( ص ) قال : ستة أشهر فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ( رض ) حتى ماتت فاطمة ( رض ) قال : ولا أحد من بني هاشم ".

قال البيهقي بعدها : " رواه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر ، ورواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وغيره عن عبدالرزاق .

وقول الزهري في قعود علي عن بيعة أبي بكر( رض ) حتى توفيت فاطمة ( رض ) منقطع وحديث أبي سعيد الخدري ( رض ) في مبايعته إياه حين بويع بيعة العامة بعد السقيفة أصح ، ولعل الزهري أراد قعوده عنها بعد البيعة ثم نهوضة إليها ثانيا وقيامه بواجباتها والله أعلم " سنن البيهقي ج6 ص 489 -490 .

أخطاء البيهقي وسوء فهمه

في البدء نقول : من الواضح لا البخاري ولا مسلم نقلا الرواية بالألفاظ الأخيرة التي رواها البيهقي لذا استدرك عليه ابن حجر قائلا :

" وأشار البيهقي إلى أن قوله : وعاشت ... إلخ إدراجا ، وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث ، وقال في آخره : قلت للزهري : كم عاشت فاطمة بعده ، قال : ستة أشهر ، وعزا هذه الرواية لمسلم ، ولم يقع عند مسلم هكذا ، بل فيه كما عند البخاري موصولا والله أعلم " فتح الباري ج7 ص 494 .

وإن كان يظهر من عبارة ابن حجر وعبارة العيني في شرحه أن هناك فرقا بين نسختهم والمطبوع من سنن البيهقي قال العيني :

" وقال البيهقي : وعاشت ... إلى آخره مدرج وذلك أنه وقع عند مسلم من طريق أخرى عن الزهري فذكر الحديث ، وقال في آخره قلت للزهري : كم عاشت فاطمة بعده ؟ قال : ستة أشهر " ، عمدة القاري ج12 ص 240- 241 .

ولاحظ المقطع الذي رواه البيهقي وصرح بأنه قول عائشة :

" فكان لعلي ( رض ) من الناس وجه حياة فاطمة ( رض ) فلما توفيت فاطمة ( رض ) انصرف وجوه الناس عنه عند ذلك .

هذا المقطع بنفسه كاف في تصريح عائشة بأن البيعة تأخرت إلى أن ماتت فاطمة ( ع ) وإن لم تضم بقية الكلام المذكور في الصحاح : " فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يباع تلك الأشهر" ، بل لا معنى للمقطع الأول دون إكماله بالمقطع الثاني .

وإليك تتمة النص في صحيحي البخاري ومسلم :

فنص رواية البخاري " ... عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن فاطمة عليه السلام بنت رسول الله ( ص ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (ص ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله ( ص ) قال : لا نورث ما تركنا صدقة ... ... ، فوجدت فاطمة على أبا بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ( ص ) ستة أشهر ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يباع تلك الأشهر" فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج7 ص 493 .

وهكذا نص مسلم قائلا :

" ... عن ابن شهاب عن عروة بن الزبر عن عائشة أنها أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله ( ص ) أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها ... ... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى قاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، قال : فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ( ص ) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الأشهر" .صحيح مسلم ج3 ص 1380 .

فمن الواضح أن تأخر بيعة علي ( ع ) إلى ما بعد وفاة فاطمة ( ع ) من كلام عائشة وكيف يصح مع هذا الوضوح دعوى أنه من إدراج الزهري لخطأ صدر من البيهقي في نقل رواية مسلم .

وما ذكره البيهقي على أنه قول للزهري المدرج – لو سلم بصحته مع اليقين بأنه ليس من رواية الصحيحين كما أوهمت عبارة البيهقي - هو مجرد تحديد الفترة الزمانية بين وفاة النبي ( ص ) ووفاة فاطمة ( ع ) لا أصل تأخر علي في بيعته عن وفاة فاطمة ( ع ) الذي هو كلام عائشة وليس من الإدراج في شيء .

وأعيد لك نص رواية البيقهي : " قال معمر : قلت للزهري : كم مكثت فاطمة بعد النبي ( ص ) قال : ستة أشهر ، فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ( رض ) حتى ماتت فاطمة ( رض ) قال : ولا أحد من بني هاشم ".

والإيهام وقع من البيهقي حينما قال : " وقول الزهري في قعود علي عن بيعة أبي بكر ( رض ) حتى توفيت فاطمة ( رض ) منقطع " ، فالانقطاع لو صح كان في تحديد الفترة لا في أصل تأخر بيعة علي ( ع ) إلى وفاة فاطمة وسنرجع للحديث عن هذه النقطة .

كلمات شراح الصحاح في شرح الخبر

أعرض لكم كل من شرح روايات الصحيحين وكلهم مسلم بغضب فاطمة ( ع ) وتأخر علي ( ع ) ولم يولوا الإدراج المدعى أهمية بل رده ابن حجر كما نقلنا كلامه ، ولم يذكره شراح صحيح مسلم أبدا .

1- ابن بطال ( ت 449 هـ )

قال في شرحه لصحيح البخاري :

" قال المهلب : ووجه هجران فاطمة لأبي بكر أنها لم يكن عنها قوله ( ع ) : ( لا نورث ما تركنا صدقة ) ولا علمته ... وإنما كان هجرها له انقبضا عن لقائه وترك مواصلة وليس هذا من الهجران المحرم " شرح ابن بطال ج 5 ص 251 .

2- ابن حجر ( ت852 هـ )

قال في شرحه ( فتح الباري ) :

" قوله ( فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته ) في رواية معمر ( فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ) ... نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر : لا أكلمكما أي في هذا الميراث وتعقبه الشاشي بأن قرينة قوله ( غضبت ) تدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر" .فتح الباري ج6 ص 202 .

وقال في موضع آخر :

" قوله ( وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ) أي كان الناس يحترمونه إكراما لفاطمة فلما ماتت واستمر على عدم الحضور عند أبي بكر قصر الناس عن ذلك الاحترام لإرادة دخوله فيما دخل فيه الناس ، ولذلك قالت عائشة في آخر الحديث : لما جاء وبايع كان الناس قريبا إليه حين راجع الأمر بالمعروف وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها وتمريضها وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها ( ص ) ، ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه ، قوله ( فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر) أي في حياة فاطمة " فتح الباري ج 7 ص 494 .

3- العيني ( ت 855 هـ )

قال في شرحه عمدة القاري :

" قوله ( فهجرت) أي هجرت فاطمة أبا بكر رضي الله تعالى عنهما ومعنى هجرانها انقباضها عن لقائه وعدم انبساط لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه ، قوله ( وعاشت ) أي فاطمة ( بعد النبي ( ص ) ستة أشهر ) هذا هو الصحيح ... ... قوله ( حياة فاطمة ) لأنهم كانوا يعذورنه عن ترك المبايعة لاشتغاله بها وتسلية خاطرها من قرب عند مفارقة رسول الله ( ص ) ، قوله ( تلك الأشهر ) وهي الأشهر الستة وقال المازري : العذر لعلي ( رض ) في تخلفه مع ما أعتذر هو به أنه يكفي في بيعة الإمام أن يقع من آحاد أهل الحل والعقد ولا يجب الاستيعاب " عمدة القاري ج12 ص 240 -241.

4- القاضي عياض ( ت 544 هـ )

قال في شرحه لصحيح مسلم :

" قال الإمام - المازري - : إنما تأخر علي عن البيعة فقد ذكر عذره عنه في كتاب مسلم واعتذار الصديق عنه ... وإنما يلزم إذا عقد أهل الحل والعقد انقياد البقية ألا يظهروا خلافا ولا يشقوا العصا ، وهكذا كان علي ( رض ) ما ظهر على أبي بكر ( رض ) خلافا ولا شق عصا ولكنه تأخر عن الحضور عنده في هذا الأمر العظيم مع عظم قدره هو نفسه لموجدة في نفسه ذكرها في الكتاب ... وحق مثله أن يحضر فيها ويشاور عليها " إكمال المعلم بفوائد مسلم ج6 ص84 - 85 .

5- أحمد القرطبي ( ت656 هـ )

قال في كتابه ( المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ) :

" وقوله : ( فأبى أبو بكر أنيدفع لفاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه ) لا يظن بفاطمة ( رض ) أنها اتهمت أبا بكر فيما ذكره عن رسول الله ( ص ) لكنها ( رض ) عظم عليها ترك العمل بالقاعدة الكلية المقررة بالميراث المنصوصة في القرآن وجوزت السهو والغلط على أبي بكر ، ثم غنها لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله ( ص ) ولملازمتها ببيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران ...

وقوله : ( وكان لعلي من الناس جهة حياة فاطمة ) ... كان الناس يحترموتعليا في حياتها كرامة لها لأنها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها فملا ماتت وهولم يبايع أبا بكر انصرف الناس عن ذلك الاحترام ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرق جماعتهم ، ألا ترى أنه لما بايع أبا بكر أقبل الناس عليه بكل إكرام وإعظام ؟!

وقوله : ( ولم يكن بايع تلك الأشهر ) يعني : السنة أشهر التي عاشتها فاطمة ( رض ) بعد رسول الله ( ص ) ، ولا يظن بعلي أنه خالف الناس في البيعة لكنه تأخر عن الناس لمانع منعه وهو الموجدة التي وجدها حين استبد بمثل هذا الأمر العظيم ولم ينتظر مع أنه كان أحق الناس بحضوره وبمشورته " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ج3 ص 568-570 .

6- أبو زكريا النووي ( ت 676 هـ )

قال في شرحه على صحيح مسلم :

" وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر ( رض ) فمعناه انقباضها عن لقائه وليس هذا من الهجران المحرم الذي هو ترك السلام والإعراض عن اللقاء " شرح النووي ج12 ص 73 .

وقال بعدها :

" قوله ( فهجرته فم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ( ص ) ستة أشهر ) أما هجرانها فسبق تأويله ، وأما كونها عاشت عبد رسول الله ( ص ) ستة أشهر فهو الصحيح المشهور ...

قوله ( وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة ( رض ) فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ( رض ) ولم يكن بايع تلك الأشهر ) أما تأخر علي ( رض ) عنه عن البيعة فقد ذكره علي في هذا الحديث واعتذر أبو بكر ( رض ) ومع هذا فتأخره ليس بقادح في البيعة ولا فيه ... " شرح النووي ج12 ص 77 .

فانظر من منهم شكك في غضب فاطمة أو تأخر بيعة علي ( ع ) إنما كل جهودهم انصبت على تبرير ما لا شك في وقوعه ؟!

رزية الكاتب الجديدة

يتبين بذلك أن الكاتب حاول أن يوهم أمرين :

الأول : أن هناك تعارض بين الإدراج المدعى في رواية صحيحة ومرسلة ، وقدم المرسلة على الكلام المدرج ، والحق إنه لا إدراج في أمر الغضب بل هو صريح قول عائشة ، فلا يصل الدور إلى معارضته بمرسلة الشعبي المذكورة .

هذا فضلا عن أن الإرسال ضعف ، فما قيمة المرسلة وإن صح سندها إلى من أرسلها ، فأقل طلبة العلم يعلم أنها ملحقة بالحديث الضعيف ،

قال ابن الصلاح : " ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر ، ولهذا احتج الشافعي ( رض ) بمرسلات سعيد بن المسيب ( رض ) فإنها وجدت من وجه أخر ... وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير الحفاظ الحديث ونقاد الأثر وتداوله في تصانيفهم " ، علوم الحديث ص 53

وفي مقدمة مسلم على صحيحه : " المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة " ، صحيح مسلم ج1 ص 30 .

دعوى توقيت الغضب والتراضي بينهما

كيف يمكن دعوى التوقيت في غضب فاطمة مع أن النص المروي في البخاري عن عائشة هي :

" فوجدت فاطمة على أبا بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ( ص ) ستة أشهر " فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج7 ص 493 .

وهكذا نص مسلم قائلا :

" فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، قال : فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ( ص ) ستة أشهر" صحيح مسلم ج3 ص 1380 .

ألا تقرأ حتى توفيت !! أم عمى القلب أوجد عمى في العين !!

كيف يرجح مرسل على مرسل دون راجح

ولو سلمنا جدلا بإدراج الزهري فيصبح ذاك المقطع المدعى إدراجه مرسلا وليس مسندا ، فكيف في مقام الترجيح ترجح مرسل على مرسل ، فكما صرحت وصرح البيهقي أن الرواية مرسلة عن الشعبي .

وبذلك تسقط دعوى أن الغضب كان مؤقتا – ونكرر مع التسليم جدلا بأنه غير مسند في الصحاح - ، وذلك للتعارض الصريح غير القابل للجمع بين المدرجة والمرسلة ، لأن المدرجة - في زعم الكاتب - تنص على : " فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت " البخاري ج4 ص 1549 ، ومرسلة الشعبي تنص على : " ثم ترضاها حتى رضيت " سنن البيهقي ج6 ص301 .

الثاني : حاول أن يوهم أن هناك إدراجا في خبر تأخر بيعة علي ( ع ) عن وفاة فاطمة ، وليس الأمر كذلك بل هو من إيهام البيهقي وفضحه ابن حجر كما بينا .

ولو سلمنا إن الستة أشهر خطأ فأقل مدة ذكر لحياتها ( ع ) بعد أبيها سبعون يوما ، ومع ربط ذلك بقول عائشة الوارد في الصحاح أنه لم يبايع إلا بعد وفاتها سينتج أن عليا تأخر سبعون يوما ، ألا يكفي تأخر علي ( ع ) أكثر من شهرين كي يثبت عدم وجود إجماع في البيعة .

وعلى أقل تلك الروايات التي وردت في الصحاح ستثبت بطلان الرواية الأخرى التي تسوى بدرة كما قيل والتي نصت زورا وكذبا على أن بيعة علي وقعت في اليوم التالي من بيعة الناس ، فكيف يمكن معارضة رواية مشهورة وردت في الصحاح مع تلك الرواية الشاذة التي قالوا تسوى بدرة .

قال ابن حجر : " ( ستة أشهر ) هذا هو الصحيح في بقائها بعده ، وروى ابن سعد من وجهين أنها عاشت بعده ثلاثة أشهر ونقل عن الواقدي وإن ستة أشهر هو الثبت ، وقيل : عاشت بعده سبعين يوما ، وقيل : ثمانية أشهر ، وقيل : شهرين جاء ذلك عن عائشة أيضا " فتح الباري ج7 ص 494 .

وبذلك يتبين دعوى إدراج الغضب باطلة ودعوى إدراج تأخر البيعة باطلة ، ودعوى توقيت الغضب وانتهاؤه قبيل وفاتها ( ع ) رد لما في الصحاح .

رواية أبي سعيد

تبقى الرواية الأخيرة عن أبي سعيد الخدري والتي استظهر منها ابن كثير أن عليا بايع إما في اليوم الأول أو الثاني بعد الوفاة ، وهي من رواية البيهقي عن الإسفرائيني عن أبو علي الحافظ عن ابن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب قالا ثنا بندار بن بشار ثنا أبو هشام المخزومي ثنا وهيب عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري سنن البيهقي ج8 ص 247 .

وفي طبعة البداية والنهاية ج5 ص 269 تحريفات وتصحيفات في السند نقله كاتب المقالة ولم يدقق في الأمر ، إذ فيه : عن ابن خزيمة وابن إبراهيم بن أبي طالب قالا حدثنا ميدار بن يسار وحدثنا هشام المخزومي حدثنا وهيب ، والتصحيفات واضحة في السند مع المقارنة بأصل البيهقي .

والسند الآخر الذي في سنن البيهقي ج8 ص 246 رواه عن أبي عبدالله الحافظ والمقرئ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا جعفر بن محمد بن شاكر ثنا عفان بن مسلم ثنا وهيب ... إلخ .

والأسانيد وفق الظاهر تامة إلى وهيب عن أبي نضرة ، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ج5 ص 270 : وقد رواه علي بن عاصم عن الجرير عن أبي نضرة ، فله طريق لا يمر بوهيب .

سوء فهم ابن كثير للحديث

فالظاهر أن العلة في عدم دقة أبي نضرة المنذر بن مالك وخطأه ، فقد ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ج4 ص 181 -182 قائلا : " وثقه يحيى بن معين وجماعة ، وقال ابن سعد : ثقة وليس كل أحد يحتج به ، وأورده العقيلي في الضعفاء وما ذكر شيئا يدل على لينه ، وكذا صاحب الكامل ولم يذكر شيئا أكثر من أنه كان عريفا لقومه ولكن ما احتج به البخاري ... وقال ابن حبان في الثقات : كان ممن يخطئ " ، لذا حينما ذكره الذهبي في كتابه الكاشف ج3 ص 157 قال : " فصيح بليغ مفوه ثقة يخطئ " .

أقول كيف لا يكون وصف كان عريفا لقومه من التضعيف مع رواية الحاكم في مستدركه ج4 ص 102 عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) قال : " ويل للأمراء و ويل للعرفاء و ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يدلدلون بين السماء و الأرض و أنهم لم يلوا عملا " .

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وكذلك روي أبي داود في سننه ج2 ص15 عنه ( ص ) : " العرفاء في النار " .

كيف لا يكون ذما وهو عريف لولاة بني أمية ، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث ج3 ص 197 : " العرفاء جمع عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمر منه أحوالهم " ، فكان في تلك الأزمة أشبه بدور الجاسوس .

سند بمثل هذا يعارض به ما في الصحاح ، ويقول : هذا تساوي بدنة ويقول : ذاك تساوي بدرة ، ويتناقل بكل قوة فقط لأنه يتلائم مع بعض الأمزجة .

رواية أبي نضرة لا تتعارض مع ما في الصحاح

ولكن مع ذلك نقول لا تعارض رواية أبي نضرة ما في الصحاح ، إذ ما ينبغي أن يقال : إن مقتضى الجمع بين الخبر المروي في سنن البيهقي وما في الصحاح أن نقول إن عبارة الراوي لم تكن واضحة ومبينة لفاصل الزمني بين الأحداث بنحو دقيق ، فحينما روى : " ثم أخذ زيد بن ثابت بيدي أبي بكر ، فقال : هذا صاحبكم فبايعوه ، ثم انطلقوا ، فلما قعد أبو بكر ( رض ) على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا ( رض ) فسأل عنه ، فقام ناس من الأنصار فأتوا به ، فقال أبو بكر ( رض ) ابن عم رسول الله ( ص ) وختنه أرددت أن تشق عصا المسلمين ... " .

فلم يبين أبو نضرة في خبره أن الفاصل بين ما ذكر بقوله : " فبايعـوه ثم انطلقـوا " وقوله : " فلما قعد أبو بكر على المنبر ... " أكثر من شهرين أو قرابة ستة أشهر على الخلاف الذي ذكره ابن حجر .

فلا أعرف من أين فهم ابن كثير أن الفاصل كان يوما أو يومين ، مع أن القرينة في الرواية على خلاف ذلك واضحة ، إذ لا يمكن أن يصدق أن قول أبي بكر : ابن عم رسول الله ( ص ) وختنه يريد أن يشق عصا المسلمين كما ورد في نص الخبر إلا أن يطول امتناعه عن البيعة لا مجرد يوم أو يومين .

ارسال نظرات